تأملات في الشهادتين
هل تأملت يوما في معنى الشهادتين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين وسلم تسليما.

حديث جبريل عليه السلام
عن عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : ” يا محمد أخبرني عن الإسلام ” ، فقال له : “الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا” قال : ” صدقت ” ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : ” أخبرني عن الإيمان ” قال : “أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره“، قال : ” صدقت ” ، قال : ” فأخبرني عن الإحسان ” ، قال : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، قال : ” فأخبرني عن الساعة ” ، قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال : ” فأخبرني عن أماراتها ” ، قال: أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان، ثم انطلق فلبث مليا ، ثم قال : ” يا عمر ، أتدري من السائل ؟ ” ، قلت : “الله ورسوله أعلم ” ، قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم رواه مسلم .
هذا الحديث الفريد الجامع المانع لمراتب الدين سيكون لنا لقاءات معه في مقالات متعددة، وفي هذا المقال سنتحدث عن الركن الأول من أركان الإسلام، الشهادتان.
أركان الإسلام كأركان البناء لا يقوم إلا بها، هذه الأركان لا يكون المسلم مسلما إلا باتصافه بها، عكس الصفات الاخرى فغيابها لا يخرج من دائرة الاسلام، ولذلك فهي من الأمور التي لا يعذر المسلم بجهلها، أركان الإسلام الخمسة هي الشهادتان، الصلاة، الزكاة، الصوم، حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
هي أركان نعرفها جميعا لكن قليل منا من يعرف سرها ومعناها وأثرها في حياة العبد، فمنا من لا يعرف من هذه الركائز إلا اسمها، فلا يكاد يعرف شيئا عن قيمتها ولا عن شروطها ومبطلاتها وكيفية أدائها فلا تكاد تظهر أثرها وتجلياتها على حياته وتصرفاته…
وحتى لا تكون أخي المسلم وأختي المسلمة من هؤلاء، أهدي لك هذه المقالة التي حاولت من خلالها أن أبين معنى لا إله الله، ومعني محمد رسول الله، وتجلياتهما على من يشهد بهما.
إعراب لا إله إلا الله

لا: أداة نفي تعمل عمل “إن” أي تنصب المبتدأ وترفع الخبر، و”لا” هذه تنفي الجنس، أي تنفي جنس الآلهة إلا الله، فلا إله حق واحد مع الله،ولا آلهة متعددة، فالإله الحق واحد وهو الله.
إلــــه: اسم “لا” منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
إلا: أداة استثناء.
اللـــه: ليس خبر” لا” لأنه معرفة بل أعرف المعارف، ومن شروط عمل لا النافية للجنس أن يكون المبتدأ والخبر نكرتين، وبالتالي فخبر لا مقدر وتقديره لا إله حق إلا الله.
نكتة جميلة:
كل الحروف المكونة لـ لا إله إلا الله حروف جوفية، لذلك يجب لقائلها أن يقولها من أعماق أعماق جوفه، كما أنها مجردة عن التنقيط، وفيه إيماء لوجوب تجرد قائلها إلا مما يرضي الله.
تجليات لا إله إلا الله في حياة المؤمن:
أشهد ألا إله إلا الله معناها أشهد ألا معبود بحق إلاّ الله…وهذا يحتم على المسلم ألا يشرك بالله شيئا، فالمسلم الذي يشهد ألا إله إلا الله لا يليق له أن يدعو غير الله،ولا أن يسجد لغير الله…ولا أن يتوكل على غير الله…ولا يخاف غير الله، فهم من يشهد ألا إله إلا الله هو تحقيق مرضاته سبحانه…فتهون عليه نفسه وشهواتها، والدنيا وزينتها، والناس وأقاويلهم…فيعيش عبدا لله سيدا بين الناس، أحب الله فأحبه الله ونشر له القبول والهيبة في الأرض والسماء، فعاش كريما سعيدا غنيا، ومات مؤمنا موحدا فانتقل إلى سعادة كاملة ليس بعدها موت.
يقول ابن القيم :إن لله جنة في الأرض من دخلها دخل جنة الآخرة، وهو يقصد الطاعة ورأس الطاعة التوحيد.فلا يستوي الموحد وغيره أبدا…
قال الله تعالى:
“أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ”
” أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَآءَ مَا يَحْكُمُون”َ
“يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ .قُل بِفَضلِ اللَّـهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعون”
“فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى”
“فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ“
لا إله إلا الله دعوة جميع الأنبياء
لا شك أن الله خلق الجن والإنس وغيرهما من المخلوقات لغاية واحدة وهي عبادته سبحانه وتعالى، ومن ثم كانت مهمة الرسل والأنبياء عليهم السلام هي تعليم الناس التوحيد ودعوتهم إليه، قال تعالى:
“وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ”
وأشهد أن محمدا رسول الله

إذا تحققت في المؤمن صفات الشهادة الأولى، فلابد أن يسأل كيف أعبد الله، وما الطريق الموصل إليه سبحانه، ويبحث عن دليل لكيفية عبادة الله، ويشهد أن محمدا رسول الله، ومعناها أن الله أرسل محمدا للبشرية ليدلهم على الطريق المختصر والصراط المستقيم الموصل للفوز بالجنة والنجاة من النار …فمنه صلى الله عليه وسلم نتعلم العقيدة الصحيحة والعبادات المفروضة وغير المفروضة وبنوره نستضيء في معاملاتنا، في سكناتنا وحركاتنا…ومنه عليه الصلاة والسلام نفهم القرآن الكريم الذي يجب أن يكون للمسلمين منهاجا ودستورا وسراجا وهاجا…ورسول الله كان قرآنا يمشي على الأرض.
وهذه الشهادة تقتضي أيضا أن محمدا صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة على أحسن وجه واكمل للناس دينهم وتركهم على المحجة البيضاء.
موجبات شهادة أن محمدا رسول الله
ومن تجليات هذه الشهادة توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقديمه على النفس والغير، ومحبته واحترامه والامتثال لأوامره واتباع سنته…
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“فوالذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده” أخرجه البخاري.
وقال الله تعالى:
“قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ” (التوبة:24) .
وفي صحيح مسلم، عن أَنسٍ رضي الله عنه: أَنَّ أَعرابيًّا قَالَ لرسول اللَّه ﷺ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: حُبُّ اللَّهِ ورسولِهِ، قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ.
كما لا يليق للمسلم أن يجهل حياة رسول، علمه فن الحياة السعيدة، وأخرجه من ظلمات الجهل والوثنية إلى أنوار المعرفة والتوحيد.
اسمه، نسبه، أزواجه، أبناءه، حياته، شبابه، أصحابه، خلقته، خلقه…كلها جوانب ينبغي علي المسلم البحث والغوص فيها…ليكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة لك من طفولتك وعبر مراحل حياتك وصولا لانتقالك للدار الآخرة.
فتكون بذلك نعم شاب، ونعم ابن، ونعم زوج، ونعم أب، ونعم صهر، وتسعد في النهاية بجوار حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم.
الشهادتان راحة
لو علم المشركون الراحة التي ينعم بها الموحدون، لسارعو إلى الإسلام، كيف لا والربح والخسارة كلاهما غنيمة للمؤمن، وإليك مثال من أمثلة سعادة المؤمن في حياته:
قَالَ رَسُولُ الله ﷺ:
عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم
بينما المشركون يتمسحون ويتبركون بأصنام صنعوها بأيديهم، لا تنفع ولا تضر… وآخرون يسجدون ويتوسلون بأموات…. نعم أموات غير أحياء…وبينما الماديون يغرقون في الشهوات، فتجده تحت تخديرها كلما شعر أنه سيستفيق زاد جرعة أخرى من الشهوات، بل تكون أكبر من التي سبقتها… أتبع نفسه هواها، حتى إذا ألفها ووصل لمرحلة لا يستطيع فيها التخدير … انقلبت سعادته المزيفة حزنا وقلقا واكتئابا… لنسمع خبر انتحارها بعد ذلك.
الحمد لله على نعمة الإسلام.
جزاكم الله خير الجزاء