تلبس الجن بالإنس حقيقة أم خرافة
عرض للأدلة الواردة في الموضوع
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
رغم كونه عالَما غيبيا، ظل عالم الجن والشياطين محل اهتمام كثير من الناس العوام باختلاف ثقافاتهم وعقائدهم والعلماء باختلاف تخصصاتهم،فاختلفت الآراء باختلاف الثقافات والأديان والعلوم،فمن الناس من ينكر وجود هذا العالم أصلا،ومنهم من يؤمن بوجوده ولا يؤمن بوجود أية علاقة بينه وبين عالم الإنس،وقوم آخرون يعتقدون وجود تفاعل بين العالمين،فهم يؤمنون بإمكانية تلبس الجن بالإنس.
فما أدلة وجود الجن من القرآن والسنة؟ وما حكم منكري وجود الجن في الإسلام؟ وهل يمكن لجني أن يتلبس بجسد إنسان؟ وما هي الأبواب التي يمكن أن تدخل منها الشياطين على الإنسان؟

1- حقيقة وجود الجن، وحكم من كفر به:
لقد ذكر الله تعالى الجن في أكثر من موضع في القرآن الكريم ،وتحدث سبحانه وتعالى عنهم في أكثر من آية، بل وسميت سورة من سور القرآن باسمهم”سورة الجن” وفيها ذكر الله جملة من أحوالهم،كما وردت مجموعة من الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة التي تبين حقيقة وجود الجن ،ولذلك فمن أنكر وجودهم كفر والعياذ بالله.
أدلة وجود الجن من القرآن الكريم:
قال تعالى:“قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا”
وقال سنحانه:“إنه يراكم هو وقرينه من حيث لاترونهم”
وقال عز من قائل:“وما خلقت الجن والإني إلا ليعبدون”
وقال أيضا:“وخلق الجان من مارج من نار”
وقال عز وجل:“يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذو لا تنفذون إلا بسلطان”
وآيات أخرى في القرآن الكريم بينت هذه الحقيقة،ولا يسع المقام لذكرها.
أدلة وجود الجن من السنة النبوية:
أخرج مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:“أتاني داعي الجن،فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن”
وفي صحيح مسلم أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:“خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من نار،وخلق آدم مما وصف لكم.”
حكم من أنكر وجود الجن:
لقد اتفق العلماء على أن من كفر بوجود الجن فقد كذَّب عددا كبيرا من آيات القرآن الكريم،ومن كذب القرآن الكريم فقد كفر والعياذ بالله.
وهذه نبذة من أقوال العلماء في الموضوع:
قال ابن حزم:“من أنكر الجن وتأول فيهم تأويلا يخرجهم به عن هذا الظاهر فهو كافر مشرك.”
وذكر ابن قتيبة في تأول مختلف الحديث أن :“إنكار الجن والشياطين من عقد قوم من الزنادقة والفلاسفة،ويقال لهم الدهرية،وليس من عقد المسلمين.”
وقال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية:“الإيمان بالجن واجب،الإيمان بوجودهم وبما أخبر الله عز وجل عنهم من صفتهم في كتابه وبما صح في حديث النبي صلى الله عليه وسلم،من أنكر وجود الله كفر لأنه كذب القرآن.”
وخلاصة القول أن وجود الجن ثابت بالقرآن الكريم والسنة النبوية ولا يمكن إنكاره،ومن أنكره فقد كذب الوحي بشقيه القرآن والسنة ومن كذبهما فقد كفر.
2. خلاف العلماء في مسألة تلبس الجن بالإنس:
لقد اختلف العلماء في هذه المسألة، والخلاف ناتج عن اختلاف فهم الآيات و الأحاديث تارة،والاختلاف في صحة الأحاديث تارة أخرى، ولا شك أن هذا الخلاف مشروع لأن المسألة ظنية،إذ ال نص صريح صحيح على الإثبات ولا على النفي،ولم يثبت أن عالما كفر منكرا للقضية أو مؤمنا بها،فإنكار المسألة أو إثباتها لا علاقة له بالإيمان.
من العلماء الذين أنكروا قضية تلبس الجن بالإنس: الإمام فخر الرازي والإمام الشوكاني والشيخ محمد عبده والقاضي أبو يعلى الجباني وجمال الدين الأفغاني وأبوحامد الغزالي وغيرهم من كبار العلماء…
وتجدر الإشارة إلى أن معنى التلبس الذي نتحدث عنه هو أن يدخل الجني جسد الإنسي ويتحكم فيه،فيتكلم على لسانه ويحرك أطرافه وغيرها من الأمور.
أدلة تلبس الجن بالإنس وردود المنكرين على المستدلين بها:
أول وأقوى دليل يستدل به المؤمنون بهذه المسألة هو قوله تعالى:“الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس”
فالتخبط هو السير على غير هدى.
ولعل الباحث في معنى كلمة المس في قواميس اللغة العربية سيجد أنها تعني:
- اللمس لقوله تعالى: “لايمسه إلا المطهرون”
- الجماع لقوله تعالى على لسان مريم العذراء عليها السلام:”ولم يمسسني بشر”
- أصابه نحو قول العرب مسه الكبر
- الحاجة نحو قولنا في أمس الحاجة
- نزل به لقوله سبحانه:”إن يمسسكم قرح فقد المس القوم من قبلكم”
ولن يجد الباحث أبدا أن المس عند العرب يعني الدخول والتحكم.
لذلك قالوا أن الأمر يتعلق بالآخرة ولا يصح أن نسقط أحداث الآخرة عل الحياة الدنيا،ثم..هل كل من يأكل الربا يدخله جني؟؟؟
فالآية الكريمة تصف الحالة النفسية لآكلي الربا، نتيجة جدلية الطاعة والمعصية،والجشع والحرام…كما قال تعالى:”الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء.”
والدليل الثاني الذي يستدلون به من القرآن الكريم هو قوله تعالى:”واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب”
وأما هذه الآية فلا تدل أبدا على أن نبي الله دخله الشيطان وتحكم في جسده،ومن قال بهذا القول فهو يعاني مشكلة في عقيدته…
كما أن هذا الفهم ينافي قوله تعالى:“ولقد كرمنا بني آدم حملناهم في البر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم عن كثير ممن خلقنا تفضيلا.”
فكيف سيتلبس الشيطان بخلق فضله الله عن سائر الخلق،ناهيك عن كونه نبيا.
ودليلهم الثالث قوله سبحانه وتعالى:“ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين.”
قال الطبري في تفسير هذه الآية:”نجعل له شيطانا يغويه، فهو له مصاحب.” فلا علاقة لها بالتلبس أبدا.
ومن أدلتهم من الأحاديث، الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:“ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن،قالوا وإياك يا رسول الله قال وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم،فلا يأمرني إلا بخير”
وهذا حديث يثبت عكس ما استُدل له،ففيه لفظ صريح لا يحتمل التأويل وهو يأمرني،ولم يقل يتلبس بي ولا يتحكم بي…
وأي جني يستطيع أن يتلبس برسول الله صلى الله عليه وسلم؟
والحديث الثاني هو ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت:“كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا،فأتيته أزورهليلا فحدثته،ثم قمت فانقلبت،فقام معي ليقلبني- وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد رضي الله عنهما – فمر رجلان من الأنصار،فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم، أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم،على رسلكما إنها صفية بنت حيي،فقالا:سبحان الله يا رسول الله،فقال:إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم،وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا.”
والشاهد عندهم:إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم.
لكن أين سياق الحديث، فأي ملم باللغة العربية يفهم أن المقصود هو تحذير الأنصاريين من وسوسة الشيطان التي قد تجري في الإنسان مجرى الدم في العروق، فهذا تشبيه على مجاز.
وأين هذا الفهم من قول الله تعالى:”إن كيد الشيطان كان ضعيفا”
ما هي وظيفة الشيطان في القرآن الكريم:
إن أبواب دخول الشيطان على الإنس ثلاثة وهي:
- الوسوسة .
- الغواية .
- التزيين.
قال تعالى: “فوسوس لهما الشيطان” وقال أيضا:“الذي يسوس في صدور الناس.”
وقال سبحانه وتعالى:“قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين.”
وفي آية أخرى:“فبعزتك لأغوينهم أجمعين.”
والشيطان يعترف بذلك، تأمل قوله تعالى:“وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق.ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم.”
علاوة على كل ماسبق، فتلبس الجن بالإنس يُنافي العدالة الإلهية،فلو كان الأمر صحيحا لبطل التكليف الذي يقتضي حرية الإختيار، ولقبلنا أن يدعي السارق والزاني وشاهد الزور… أن الشيطان حملهم على ذلك.
وإذا كانت هذه العلاقة قائمة فلماذا لم ترد تشريعات ربانية تنظمها،خصوصا أن القضية كبيرة،والجن سيحاسبون كالبشر يوم القيامة.
ولماذا يتلبس فقط بضعاف العقول؟ولا يتلبس بالعلماء وإن كانوا كفارا؟
إن ما نراه في واقعنا لا يعدو أن يكون أمرا نفسية وعضوية تحتاج لعلاج من الأخصائيين، ولا علاقة لذلك بالجن.
وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه،هذا وما كان من توفيق فمن الله وما كان من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان.
فيديو أكثر تفصيلا:
أقنعتني،أتمنى أن تتكلم عن السحر الذي يكفر به العديد من الناس.
موضوع في غاية الأهمية للنقاش. شكرا على المعلومات .
لكني أرى من وجهة نظري ان الشيطان لا سلطان له على جسد الإنسان، فقط الوساوس و الوعود الوهمية و الكادبة. بالاضافة إلى الاغواء و الاغراء. و الدليل على ذلك قوله عز من قائل : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً)، «سورة الإسراء
مع مودتي.
مودتي وتقديري لك أخي الكريم
شكرا على الموضوع