السحر تعريفة وحقيقته…هل سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قال الله تعالى: "وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا "

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الخلق وإمام المرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

ثم أما بعد:

فقد كان ولازال السحر محط أنظار الباحثين والدنيين والإجتماعيين والنفسيين،وذلك لكون موضوع السحر متجذر في عقول مجتمعاتنا، كيف لا وقد أصبح هو شماعة الفاشلين، وملاذ الكسالى،وحجة المتخلفين…بل انتشرت مراكز تدعي إبطال السحر وعلاج المسحور، وآخرون يدعون معرفة السحر،وأنهم قادرون على تغيير أحوالك للأفضل ودون أن تكبد نفسك عناء العمل والتخطيط، فالجني الموكل بالسحر سيتكفل بكل شيء…وهذا دفعنا للبحث والتحري في هذا الموضوع، وجمع أطرافه، وبما أن الموضوع غيبي فلا بد من الرجوع إلى القرآن والسنة…ومن خلال هذا الوضوع سنحاول الإجابة على الأسئلة التالية:

ماهو تعريف السحر ؟

وهل له حقيقة؟

هل سحر النبي صلى الله عليه وسلم؟ 

ما هو السحر؟

السحر هو إخراج الشيء على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع، وقد ذهب القرطبي إلى أن أصل السحر التمويه والتخاييل وهو أن يفعل الساحر أشياء ومعاني فيخيل للمسحور أنها بخلاف ما هي عليه.

وقد عرفه بن فارس بأنه خداع وشبهة، وجاء في المعجم الوسيط أن السحر هو كل ما خفي سببه،ويتخيل على حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع.

فمثلا ساحر أدخل أرنبا في قبعته وأخرج من نفس القبعة حمامة، فتساءل الجمهور: أين ذهبت الأرنب ومن أين خرجت الحمامة؟ ولما عجز الجميع عن فهم اللعبة، وتفسير الأمر بمنطق، قالوا هذا سحر…فكل ما يراه الإنسان في عالم محسوساته،ولا يدخل في مستوى معقولاته يصفه بأنه سحر.

ولذلك اتهم الرسل والأنبياء بالسحر لما جاؤوا بالآيات والمعجزات، فقال الناس نحو قول فرعون:”إني لأظنك يا موسى مسحورا”

ومن الأمور التي استوقفتني كثيرا أن أول مؤلف في الحديث وهو الموطأ وهو من أصح كتب الحديث،لم يرو فيه صاحبه الأمام مالك رحمه الله ولو حديث واحد عن السحر.

كما تجدر الإشارة إلى أن إنكار حقيقة السحر مسألة فيها خلاف بين العلماء، حيث ذهب أبو حنيفة النعمان إلى أن السحر ليس له تأثير حقيقي على الأشياء، وإنما هو تخييل.

والمتشبتون والمروجون لفكرة تأثير السحر ووجوده على هذه الصورة المعروفة في مجتمعاتنا يستندون إلى الآيات القرآنية التي ذكر فيها السحر،وقد وردت كلمة السحر في القرآن الكريم:

أربعين مرة كاتهام الكفار الأنبياء بالسحر.

خمسة عشر مرة في وصف سحرة فرعون.

ثلاث مرات في سياق الجدل والإنكار عن الكفار في معتقداتهم، نحو قوله تعالى:”أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون”

مرة واحدة في سورة البقرة عن هارو وماروت.

وهنا نتساءل أين هي قدرة الساحر الخارقة التي يزعم هؤلاء أنها مذكورة في القرآن الكريم؟

وسنثبت من خلال دراسة بعض الآيات أن السحر لا يعدوا أن يكون خفة يد وتمويه،ولا حقيقة له على الأشياء.

قال تعالى:

وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ

الإفك هو أشد أنواع الكذب.

وقال سبحانه:  

قَالَ أَلْقُواْ ۖ فَلَمَّآ أَلْقَوْاْ سَحَرُوٓاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍۢ

 ونفهم من هذه الآية أن السحرة لم يغيروا حقيقة الأشياء، وإنما كان ذلك مجرد تمويه وخداع بصري، لأنهم سحروا أي موهوا أعين الناس فقط،فهذا السحر لا يعدوا عن كونه ألعاب خفة فقط.

وقال سبحانه وتعالى:

قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَانًا سُوًى قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى

 وهنا نتساءل لماذا اشترط موسى الضحى؟

والجواب أن هذا التوقيت مثالي لوضوح الرؤية، فالإضاءة الساطعة ستكشف خدع السحرة.

واجه موسى السحرة بنفس نوعية سحرهم، حيث جاؤوا بحبال وجاء بعصى هذه الأخيرة التي تحولت إلى أفعى حقيقية، بقدرة قادر،وأكلت حبالهم، فأدرك السحرة أنهم ليسوا أمام ساحر وإنما نبي فآمنوا به.

وهنا نتساءل مرة أخرى:

ألم يكن بإمكان فرعون أن يحاول سحر موسى لرده عن دعوته؟

لو كان السحر يؤثر في الناس لسحر السحرة لفرعون؟

الحقيقة أنهم أدركوا أن مايقومون به مجرد خفة يد وخداع وتمويه، ولا علاقة له بحقيقة الأشياء.

حكم من يدعي أنه يسخر الجن في القيام بالأعمال السحرية:

لا شك أن من ادعى تسخير الجن يعاني مشكلة حقيقية في صحته النفسية أولا وعلى مستوى عقيدته ثانيا، كيف لا والله تعالى يقول على لسان سليمان عليه السلام:

 

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ

 

فتسخير الرياح والشياطين من ملك سليمان الذي لا ينبغي لأحد بعده، ومن ادعى ذلك فقد كذب القرآن.

والواقع يفضح أكاذيب السحرة الدجالين، فلو كانوا يملكون نفعا لأخرجوا أنفسهم من غيابات الفقر والمشاكل والاحتقار الذي يعانونه في مجتمعات.

سحر النبي صلى الله عليه وسلم:

في البداية لا بد أن أذكر نفسي وإياك أخي القارئ أختي القارئة بقوله تعالى:

وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا.

 ومن خلال هذه الآية فلا يجوز القول بسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك ضرب في الرسالة، وكيف يسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عصمه الله من الناس، قال تعالى:   

وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ

ويقول سبحانه:

 

فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا

 

 وإذا كان سحرة فرعون رغم براعتهم و عظمة سحرهم لم يؤثروا في موسى عليه السلام، فكيف استطاع اللبيد بن الأعصم أن يؤثر في رسول الله ، بل في عقل رسول الله وحاشاه.

ألم يقرأ القائلون بهذا القول قوله تعالى:

إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ

فهل كان رسول الله من الغاوين حتى يؤثر السحر فيه؟؟ وإذا لم يكن للشيطان سلطان على عباد الله، فكيف بأحب عباد الله إلى الله.

وفي صحيح مسلم:”من تصبح سبع ثمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر” فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على هذه المسائل، فكيف أثر فيه السحر إذا.

أما المعوذتان فهما مكيتان،وترتيب نزولهما العشرون والواحد وعشرون، أي أنهما نزلتا قبل سحر رسول الله صلى الله عليه سلم، والذي كان حسب الروايات في السنة التاسعة من الهجرة،فكيف أثر السحر في رسول الله ومعه المعوذتان.

وأخيرا أقول بأن حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري، والبخاري بشر، والبشر يخطئ ويصيب، وأنا على كامل اليقين أن الإمام البخاري رحمة الله عليه أخطأ في هذا الحديث…وتجدر الإشارة إلى أن هذا الحديث من الآحاد، ومعلوم عند العلماء أن أحاديث الآحاد لا تؤخذ منها العقائد. 

كما أود أن أذكر القراء الكرام أن المسألة فيها خلاف بين العلماء الأجلاء، وأنه ليس لي في هذا العمل إلا النقل والتجميع، كما حاولت أن أدافع على القول الذي اطمأن له قلبي.

فأسأل الله أن يوفقنا للخير وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

والحمد لله.  

مقالات ذات صلة

‫16 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى